اللهجة الحجازية- أصالة وكلمات من عبق التراث

المؤلف: ريهام زامكه11.08.2025
اللهجة الحجازية- أصالة وكلمات من عبق التراث

يا هلا ومساء الفل والياسمين على عيونكم؛ اللحظة دي جالس على مكتبي المتواضع، وشوقي دافعني إني أسرد لكم حكاية بلغة أهل الحجاز الأصيلة، وقبل ما أستقر هنا، نبهت أهلي وناشدتهم برجاء إن محدش يعكر صفوي أو يقطع حبل أفكاري، وحقيقي أقولها، ما قصروا الله يعطيهم العافية.

فضيت بالي تمامًا، ونفضت عني غبار الهموم والمشاغل، وقررت أرميها ورا ظهري وأقول "في ستين ألف داهية"، والأهم إني أنفرد بذاتي وأفكاري، وأمعن النظر فيها وأغوص في تفاصيلها عشان تتجسد في صورة مقال مميز وشيق.

بالمناسبة يا جماعة الخير؛ ليه دايمًا نقول "في ستين داهية"؟ يعني اشمعنى الرقم ده بالذات؟ طب ليه ما نقول مثلًا تسعين داهية أو حتى خمسين؟!

وكمان حاجة ثانية؛ لما نبغى نوصف شخص بأنه سيئ الأخلاق وقليل الأصل، ليه نلزق فيه صفة "ابن ستة وستين كلب" - الله يكرم السامعين- وما نقول مثلًا "ابن أربعين كلب"؟!

يا ليت حد يفهمني مين العبقري اللي رتب وقسّم هذه الأرقام الغريبة دي؟ ودي أقابله وأسأله بكل أدب "ليه كده يا عم الحاج؟ إيش الحكاية؟ ترى خوفتنا!"

المهم يا أحباب؛ اسمحوا لي أدردش معاكم شوية وأتكلم معاكم بلهجتنا الحجازية المحببة، هذه اللغة الساحرة ببساطتها وعذوبتها، اللي يتكلموا بيها أهل الحجاز في ربوع المملكة العربية السعودية، وتتميز بمفرداتها السهلة والواضحة اللي تعكس التنوع الثقافي والجذور التاريخية العميقة، وتشكل وتعبر عن روح الحجاز وتراثه الغني وأهله الطيبين.

وعلى سبيل الذكر لا الحصر؛ لما تسأل "إنت فين؟" يعني وين مكانك؟ وغالبًا الزوجة الحجازية تستخدم هذا السؤال لما تراسل زوجها أو تتصل بيه عشان تحدد موقعه بالضبط.

وبصفتي إني حجازية أباً وجداً، أتباهى وأفتخر بهويتي الحجازية، وأبحث باستمرار عن كل منفذ يطل على التراث الحجازي في كل شيء بسيط، حتى في الكلمات والمعاني الجميلة، والأغاني العذبة، والأمثال الشعبية، والقصص والحكم اللي تناقلناها من أجدادنا، وأشم فيها ريحة جدتي وجدي الله يرحمهم.

على سبيل المثال، في الأمثال الحجازية يقولوا:

"بعد ما أكل واتكى، قال ريحته مستكه".

ومعنى المثل ده يضرب في الشخص اللي يجحد المعروف وينكر الجميل، واللي ينتقد الشيء بعد ما استفاد منه وأخذ حاجته.

ومثل ثاني يقول:

"إيش تأخذ القرعة من كدّ الأمشاط".

وهذا المثل يضرب في الشخص اللي ما منه رجا ولا فيه فائدة، يعني وجوده زي عدمه.

وطبعًا أهل الحجاز معروفين بسخائهم وكرمهم وحكمتهم الأصيلة، وتراثهم العريق اللي يعكس عمق تاريخ المنطقة الثقافي وانفتاحها على مختلف الحضارات، فهم بطبيعتهم كرماء وأصحاب واجب، والضيافة عندهم من شيم الكرام، وعادةً يقولون للضيف "الضيف ضيف الله"، ويعتبرون إكرام الضيف حقًا وواجبًا دينيًا وأخلاقيًا، وهذا الكرم منبعه إيمانهم وقيمهم النبيلة بأهمية إكرام الزائر.

وأغلب أهل الحجاز يتميزون بالابتسامة الدائمة والبساطة والتواضع والأخلاق الرفيعة في تعاملهم مع الناس، دايمًا يركزون على احترام الكبير وتوقير المسن ورحمة الصغير والعطف عليه، والترابط الأسري عندهم من أقوى الروابط الاجتماعية، وهذا الشيء يعزز المحبة والوئام والتقارب بين أفراد العائلة الواحدة.

بشكل عام؛ استمتعت جدًا وأنا أستكشف وأتعمق في روعة اللهجة الحجازية وتراثها العريق وأهلها الطيبين، بس خلاص قرب الوقت إني أنهي وأختم هذا المقال قبل ما تحصل دربكة، لأني معزومة على مناسبة ولازم أجهز نفسي وألبس بسرعة البرق.

وقبل ما أودعكم، أشهدكم جميعًا؛ إني بنت هذا الوطن الغالي، وأعشق كل بقعة وذرة رمل فيه، من أقصى الشمال إلى أبعد نقطة في الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، وفي قلبي يتسع حب كبير لهذا البلد وأهله.

«ويا شارع حبيب الروح، عمالي أجي وأروح

مستني منايا يطل متمني بسري أبوح

وأنا وأنا وأنا متعدي وعابر سبيل».

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة